خامسا: الدخول في ذمة الله
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من صلى الصبح فهو في ذمة الله".
اي: في ضمان الله وعهده, وامانه, وحفظه, وحمايته, ورعايته في الدنيا والآخرة. انه حفظ عظيم فريد.
وانه لشرف كبير ان تكون ايها العبد الضعيف في حماية الملك العظيم، رب الارباب, وملك الملوك, وجبار السماوات والارض عز وجل.
انها ثمرة عظيمة وغنيمة جسيمة, فأنت يا من صليت الفجر المؤهل لنيلها, فلا تفوت الغنيمة, وتعرّض لها ولا تعرض.
سادسا: النجاة من النار
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من صلى البردين دخل الجنة".
البردان: هما صلاة الفجر وصلاة العصر, وذلك لان صلاة الفجر تقع في ابرد ما يكون من الليل, وصلاة العصر تقع في ابرد ما يكون من النهار بعد الزوال. من صلاهما دخل الجنة, يعني ان المحافظة على هاتين الصلاتين واقامتهما، من اسباب دخول الجنة. وخص الصبح والعصر لمزيد العناية بهما.
فمن قطعه عن هذا نوم او عمل, فقد فاز بالحرمان, رضي لنفسه بغاية الخسران, والله المستعان, وعليه التكلان, وما شاء الله كان.
وقال رسول الله صلى عليه وسلم:" لن تلج النار احد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها" يعني الفجر والعصر.
هذا حديث عظيم, وبشارة كبرى, يفوز بها اهل الفجر, وهي اغلى واعلى ما ينالونه انها السلامة والامان من عذاب النيران. ان صلاة الفجر صمام امان من النار, وسبب من اسباب النجاة من عذابها.
ومعنى الحديث: لن يلج النار من عاهد وحافظ على هاتين الصلاتين، ببركة المداومة عليها. انها نعمة كبرى, ومنه عظمى, ان تسلم وتنجو من النار. انها غنيمة لا يمكن ان تقدر بثمن! فعليك بها, وعض عليها بالنواجذ.
سابعا: النظر الى وجه الرحمن
اعلم- رحمك الله- بان رؤية الرحمن في الجنان, هي الغاية التي شمر اليها المشمرون، وتنافس فيها المتنافسون, وتسابق اليها المتسابقون, ولمثلها فليعمل العاملون.
عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: كنا جلوسا ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم, فنظر الى القمر ليلة اربع عشرة, فقال:" انكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته، فأن استطعتم ان لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا" ثم قرأ:" وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب" ق 39.
قوله صلى الله عليه وسلم:" انكم سترون ربكم كما ترون هذا" اي كما ان رؤية القمر تكون للناس حقيقة عيانا بابصارهم, فكذلك رؤية الله تكون حقيقية عيانا بابصارهم.
وقوله:" لا تضامون في رؤيته" اي: لا يلحقكم ضيم في رؤيته, كما يلحق الناس عند رؤية الشيء الحسن كالهلال, فانه قد يلحقهم ضيم في طلب رؤيته حين يرى, وهو سبحانه وتعالى يتجلى تجليا ظاهرا, فيرونه كما ترى الشمس والقمر, بلا ضيم يلحقكم في رؤيتة.
وقوله:" فان استطعتم ان لا تغلبوا" في هذا اشارة الى ان في الدنيا امورا ستغالبكم على المحافظة على هاتين الصلاتين, فان استطعتم الا تهزموا امام هذه الشواغل والصوارف فافعلوا, حتى تنالوا هذا الثواب العظيم, وغيره مما اعده الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين.
وما اكثر الصوارف في ايامنا هذه, فبعض الناس يغلبه على الصلاة سهر ماجن, ولهو باطل, ومشاهدات رديئة. ومن الناس من يغلبه النوم, ومن الناس من يشغله السهر على طلب العلم.
فالشاب الذي يسهر في دراسة العلم او الاستعداد للاختبار الى قريب من نصف الليل, ثم ينام منهكا, فتفوته صلاة الصبح، فمثل هذا السهر- ولو في طلب العلم- لا يجوز, لان مثله كمثل من يبني قصرا ويهدم مصرا, وانما عليه ان ينام مبكرا بعد صلاة العشاء, ليستيقظ مبكرا لصلاة الصبح, وليجعل دراسته بعدها, وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ يقول:" بورك لامتي في بكورها" فليتنبه لهذا, فان اكثر الاسباب عنه غافلون . والله المستعان.
وفي الحديث اشارة الى عظيم قدر هاتين الصلاتين, وانها اشرف الصلوات الخمس. وقد قيل في مناسبة الامر بالمحافظة على هاتين الصلاتين- عقيب ذكر الرؤية-: ان اغلى ما في الجنة رؤية الله عز وجل, واشرف ما في الدنيا من الاعمال هاتان الصلاتان. فمن حافظ على هاتين الصلاتين على مواقيتهما, ووضوئهما, وخشوعهما, وادابهما, وحضور القلب فيهما, رجي له ان يكون ممن ينظر الى الله عز وجل.
تأمل عظمة هذه النعمة, فيما رواه صهيب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" اذا دخل اهل الجنة الجنة, يقول الله تبارك وتعالى : تريدون شيئا ازيدكم؟ فيقولون: الم تبيض وجوهنا؟ الم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال:فيكشف الحجاب, فما اعطوا شيئا احب اليهم من النظر الى ربهم عز وجل, ثم تلا هذه الآية:" للذين احسنوا الحسنى وزيادة" يونس 26.
ولا ريب ان الامر هكذا, وهو اجل مما يخطر بالبال, او يدور في الخيال.
فاذا علمت انك سوف ترى ربك عيانا بالبصر, فهل تسعى الى الوصول الى ذلك ام لا؟!
والجواب: نعم, اسعى الى الوصول الى ذلك بدون تردد, لأنها غاية كل طالب, ومنتهى المطالب.
ثامنا: الأجر العظيم
قال رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم:" ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها".
سبحان الله! ان سنة الفجر خير من الدنيا ومتاعها وجمالها, الدنيا بكل لذاتها وشهواتها. نعم ركعتا الفجر خير من كل ذلك. فكيف صلاة الفجر ذاتها!
ان احدنا لو علم انه يجد من الدنيا العرض القليل, والتافه الحقير, والنزر اليسير في ذلك الوقت, لقام من اجل ذلك, ونحن ننام عن صلاة الفجر, ولها من الاجر العظيم, والثواب الجسيم, ما لا يعلمه الا الله عز وجل.
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:" ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا".
والمعنى: لو يعلمون ما فيهما من الفضل العظيم, والثواب الجسيم, ثم لم يستطيعوا الاتيان اليهما الا حبوا كحبو الصبي الصغير على يديه ورجليه, لحبوا اليهما ولم يفوتوا جماعتهما ففي المسجد. ففيه الحث البليغ على حضورهما، والتأكيد على عدم التفريط بهما.
ولهذا, فان الصحابة رضي الله عنهم اجمعين- لعلو مقام هذه الصلاة بينهم- كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين, حتى يقام في الصف. اي يتساند على اثنين لشدة ضعفه او مرضه, ويتحمل الذهاب الى المسجد, لما اعده الله له من الثواب العظيم, والاجر الجسيم.
انها غنيمة بلا حدود, فاسع اليها وقيدها بالقيود, ولا تجعلها تفوت.
تاسعا: اجر حجة وعمرة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة تامة, تامة, تامة".
هذا حديث من اجلّ القربات, افضل الطاعات, وهو حديث جليل القدر، عظيم النفع, مشتمل على اجر عظيم, وتجارة رابحة, نحن عن فضلها غافلون.
فالانسان يعلم بهذا الفضل العظيم, والثواب الجزيل, فكيف به يفضل النوم على هذه الجلسة اليسيرة؟!
وهذه السنة اهملها كثيرمن المسلمين, فصار لا يعمل بها الا القليل.
ولا يستعبد مؤمن حصول الاجرالعظيم على العمل اليسير, فان مقادير الثواب لا تدرك بالقياس، قللحق سبحانه وتعالى ان يجعل الثواب الجزيل على العمل القليل.
فاحرص- بارك الله بك- على العمل بهذا الحديث, ولو في كل جمعة مرة.
عاشرا: انشراح الصدر
ان المحافظة على صلاة الفجر من اروح الناس بدنا, وانعمهم عيشا, واقرهم عينا, واطيبهم نفسا, وافرجهم قلبا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم اذا هو نام ثلاث عقد, يضرب على مكان كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد. فان اسيقظ فذكر الله انحلت عقدة. فان توضا انحلت عقدة, فان صلى انحلت عقدة, فاصبح نشيطا طيب النفس، والا اصبح خبيث النفس كسلان".
والعقد المذكورة في الحديث حقيقية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" يعقد
الشيطان على قافية راس احدكم بالليل, بحبل فيه ثلاث عقد".
ومن استمر في نومه وتمادى في كسله الى ان يفوت على نفسه صلاة الصبح, فان الشيطان يبول فا اذنه.
عن ابن مسعود رضي الله عنه: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل نام ليلة حتى اصبح, قال:" ذاك رجل بال الشيطان في اذنيه" او قال:" في اذنه".
وحسب من كان كذلك خيبة, وخسارة, وشرا.
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: حسب الرجل من الخيبة والشر ان ينام حتى يصبح, وقد بال الشيطان في اذنه.
واعلم بان الفعل كلما كان انفع للعبد, واحب الى الله تعالى, كان اعتراض الشيطان عليه اكثر.
ولهذا فان" الشيطان الرجيم المريد, يحاول بشتى الوسائل والمكائد, ان يصرفك عن القيام لصلاة الفجر, وان يحول بينك وبين مناجاة ذي الجلال والاكرام, لعلمه باهمية صلاة الفجر, وفضلها الجزيل, فهل يا ترى ستنقاد لوساوسه؟!! وتستسلم لحبائله؟!! ام انك ستحاربه!!".
فيا غافلا.. ويا نائما ملئ جفنيك! تنبه! واعلم ان الموت قد ياتيك بغتة!
فتزود لدارك الاخرى... قبل ان يحال بينك وبين الصالحات!
واعلم انك رابح اعظم غنيمة, بالقليل من العمل!
أليس يسيرا عليك ان تهجر فراشك لحظات قلائل لتجيب ذلك النداء: الصلاة خير من النوم؟!.
عجبا لك! تغفل عن اجابة نداء الله تعالى... ولكن اذا حانت ساعة الوظيفة او الدوام، بادرت مسارعا حريصا!!
اذا اذن المؤذن: الصلاة خير من النوم رأيت الهدوء والسكون! كأن النداء لمجهول!!
ولكن بعد ساعات قلائل, ينقلب هذا الهدوء الى ضجة وحركة لا تنقطع! الكل يلهث خلف الدنيا الفانية!
فسبحان الله! اين كان هؤلاء الناس قبل قليل؟!
عجبا للغفلة! ينادي منادي الله تعالى, فلا يجيب الا القليل! وينادي منادي الدنيا, فترى الجميع يهرعون مسرعين!!
هما فريقان لا ثالث لهما. ليسوا سواء في العمل, وليسوا سواء في الجزاء.
فحاسب نفسك ايها العاقل: مع اي الفريقين انت؟!
مع المسارعين لتلبية نداء الله تعالى؟ ام مع الملبين لنداء الدنيا؟!
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ... كل الناس يغدو, فبائع نفسه فمعتقها او موبقها".
اخي: تذكر قول النبي صلوات ربي عليه:" انك لن تدع شيئا اتقاء الله جل وعز, الا اعطاك الله خيرا منه".
والحمد لله رب العالمين