كم من محبٍ غداة البين ينتحب والدمع منهمرٌ والقلب يلتهب
تعفو الرسوم وقد يبقى لها طللٌ فيه تغرد أطيافٌ وتصطحب
تميل في القلبِ كالأفنان داعَبها روح الصبا يتناءى ثم يقترب
تحيِّر الوقع في أنغامها نغمٌ هيهات ما مثلُه أصغى له أرِبُ
كلا لعمري فما عشق حواه ولا لمثله طربت أنفاسُ من طربوا
طيف الحبيب لمن يهواه فهو سنا ويا أسى جن في الأحشاء يضطرب
إن الفراق له في القلب من شجن كالموج ملتطمٌ يعلو وينقلب
زاد التذكر من نيرانه لهفي ما كالتذكر إلا النارُ والحطبُ
هو التصابي هي الأشواق مضرمة هو التغاني زلال موجعٌ رطب
كم كنت أسعد في أنفاس مهجتهِ ما كنتُ عنه وما في الأرض أنتحب
أزهو بطلعتهِ من حسن مطلعهِ في النفسِ مني أراها الشمس تحتجب
وإنني اليوم في أعقاب فرقتهِ أعيش في كمدٍ أرنو وأرتقب
هو الجهاد شريحَ الخير بارقُه يجلي الهموم وفيه يجذل الكرب
فيه السعادة في الدارين أجمعها وفيه من عزة الإسلام مالعجب
فيه الرضى من مليك الدين منهطلٌ كالمزن من دَلحةٍ ديماءَ ينسكبُ
فيه أبا جندل تصفو النفوس كما يصفوا مع الصهر من أدرانه الذهبُ
فيه الشفاءُ لغيظ القلبِ من حنقٍ كأنه الماء من بعدِ الظما العذبُ
فيه أبا طارقٍ تقوى عزائمُنا وتنتهي من عُلانا في الذرى الرُّتب
فيه السياحةُ يا ياسينُ فيه جرى نهر التآخي سمَاه العقلُ والأدب
وفيه تعبِقُ أشواقٌ نسائمها تصبُّ في جنة الفردوس تعتقبُ
وفيه تخفِقُ وجدانٌ محلقةٌ حول الألى مهرُهنُّ السيفُ لا الخُطَبُ
تلك الألى الحور لا وصفي سيبلغها كلا ولا وصفُ من في الوصفِ قد كتبوا
هن النواهدُ أترابٌ منشأة هن الكواعب هن البِيض والعُرُبُ
إذا أتتك رأيت الشمس مقبلةً يهتز منها رويداً صدرُها الرحِبُ
يا حُلو بسمتها يا حُلو محضنِها لا ينقضي أبداً من ضمِّها أرَبُ
رضاب فيها لعَمرِ الله مطعمُهُ يروي الصَّديَّ فلا يبقىَ له وصبُ
وشعرُها الليلُ قد أرخى جوانحهُ لسانهُا الحلوُ رطبٌ مصُهُ الرُّطبُ
من لي لنظرتها كالسهم ثاقبة من لي لضحكتها نفسي لها أهِبُ
من لي لمِشيتها هيفاءَ مائسةٍ من لي لمنطقها كالدر ينتدب
إذا سمعتَ غِناها وهْي راقصةٌ كلُ الحواس إليها منك تنجذبُ
والحبُّ والتينُ والرمانُ قاطبةً يميل في صوتها والنخلُ والعنبُ
بل كلُ ما حولها يهتز في سِنةٍ فأين ذي وبناتِ الطينِ والصَّخب
قد حُق أن ينجلي في ذكرها نغصٌ والهمُ والحزنُ والتكديرُ والنصبُ
فأين من شمروا باعوا نفوسَهُمُ لله خالقها فيهِنَّ قد رغِبوا
أين الذين همْ إن هلَّلوا صدقُوا أو كبروا صبروا أو قاتلوا غَلبوا
أين الذين طريق المصطفى سَلكوا أحفادُ من صحِبوا أحفادُ من درِبُوا
الأرضَ قد فرَشوا والليل قد لحَفوا تأججُ الأرضُ يا فخراً إذا ركِبوا
هم الرجالُ وأيمُ اللهِ قد علقت بالله أرواحُهُم قالوا فما كذبوا
لله إنْ نزلوا لله إنْ صَعِدوا لله إنْ ضَحِكوا لله إنْ غَضِبوا
بالله ذرني وخلِّ الدمع منجرفاً أبكي عليهمْ فهذا القدسُ مُغتصبُ
وتلك قرطبةٌ في أرض أندلسٍ بل تلك أندلسٌ ملاكها الصُلبُ
أنى بخارى ونيسابور أين غدتْ كل البلادِ كلابُ الكفر قد نهبوا
ألا نفوسٌ عبادَ الله عاليةٌ تهدُّ صرح الألى بالدين قد لعبوا
ألا رجالٌ لهم في العز منتجعٌ ُيحيونَ إذ درست آثار من ذهبوا
تقومُ لله كالآساد ضاريةً في كل فلج مناراتِ الهدى نصبوا
تبايعوا بيعة الرضوان ناجزةً صم العداتِ إلى الرحمن قد نُسبوا
كالشامخات صناديدٌ مدججةٌ بالحزم والعزم أبراج السما نقبوا
مدججون بأسيافٍ مكسرةٍ أغمادها إذْ وهَى من جدها التعبُ
الصادقون رجالٌ ليس يفتنهم ريْع الحياة وليسُوا الموتَ قد رهبوا
سلِّمْ شريحٌ على أيام من ذهبوا وهل تُراها تأتِّي مثلَها الحقبُ
--------------------------------------------------------------------------------