- النظر في فعل المكلف: والمكلف هو البالغ العاقل، فلا اعتبار لما يصدر عن الصبي، ومنه القاعدة الفقهية (عمد الصبي خطأ) ولا اعتبار لما يصدر عن المجنون أو المعتوه، ولحديث (رفع القلم عن ثلاث)، وفعل المكلف (من قول أو عمل) الذي يوقعه في الكفر قد يكون صريح الدلالة على الكفر (وهو ما لا يحتمل إلا وجهاً واحداً) أو محتمل الدلالة على الكفر، ولا تكفير بمحتمل الدلالة إلا بعد تبين قصد فاعله، وهذا كالصريح والكناية من ألفاظ الطلاق والقذف وغيرها.
وقد بوب البخاري رحمه الله لهذه المسألة في كتاب الصلاة من صحيحة في باب (من صلى إلى قبر أو تنور أو شيء مما عبد من دون الله فأراد الله)، كما بوب لها القاضي عياض رحمه الله في كتابه (الشفا في بيان حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم في باب (ما جاء في إكفار المتأولين)، فلا يجوز إلزام أحد بلوازم عمله (قوله أو فعله) لأن لازم مذهب الإنسان ليس بمذهب إلا أن يلتزمه صراحة كما حققه ابن تيمية في (مجموع الفتاوى ج 20).
2- النظر في النص القاضي بكفر من فعل هذا الفعل: هل النص صريح في الكفر الأكبر أم محتمل؟. وذلك لأن نصوص الشريعة ذكرت نوعين من الكفر: كفر أكبر يخرج فاعله من الإسلام، وكفر أصغر لا يخرج فاعله من الإسلام، وإنما هي معاصي من كبائر الذنوب سُميت بالكفر من باب التغليظ والزجر عنها.
- النظر في حال المكلف: إذا فعل المكلف فعلاً صريح الدلالة على الكفر فإن هناك شروطا وموانع يجب النظر فيها قبل القطع بكفره، فقد لا يكفر بسبب الخطأ أو النسيان أو الإكراه أو الجهل المعتبر ونحوها، وقد يكفر الشخص وتثبت ردته ثم يقوم مانع يحول دون معاقبته، كأن يكون رسولاً من المرتدين، كاللذين أرسلهما مسيلمة الكذاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهما (لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما) رواه أبو داود، ومنه قال ابن القيم في (زاد المعاد) (ومضت السنة أن الرسول لا يقتل ولو كان مرتدا) أ.هـ، وذلك حتى لا تنقطع فرصة المراسلة وما فيها من المصالح.
4- النظر في الاستتابة: بعد القطع بكفر هذا المكلف وانتفاء الأعذار في حقه، فإن له حقا في الاستتابة أي عرض التوبة عليه وكشف أي شبهة لديه والقاعدة (ادرءوا الحدود بالشبهات)، قال النبي صلى الله عليه وسلم (ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة) رواه الترمذي بإسناد فيه ضعف، وذكر الشوكاني في (نيل الأوطار) أنه قد صح موقوفا عن ابن مسعود رضي الله عنه قال (ادرءوا الحدود بالشبهات، ادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم) ولأبي داود بإسناد صحيح مرفوعا (تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب).
5- النظر في القدرة على معاقبته: وهذه لا تكون إلا مع التمكين لقوله تعالى (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ...) (الحج:41)، أما المستضعفون فلا يجب عليهم شيء من ذلك. فهناك فرق بين التكفير وبين إنزال العقوبة.
6- النظر في المصلحة والمفسدة المترتبة على معاقبته بعد تحقق القدرة على ذلك: فقد امتنع النبي صلى الله عليه وسلم عن معاقبة عبد الله بن أُبَيّ للمفسدة المترتبة على ذلك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه) متفق عليه، خصوصا مع إظهاره الإسلام وخفاء كفره، ورغم علم النبي صلى الله عليه وسلم بكفره فإنه لم يقتله بعلمه فقط من دون إقامة البينة الشرعية كمـا ذكره ابن حزم في (المحلي ج11)، وقد وفد مسليمة الكذاب على النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وأعرض عنه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تقطع الأيدي في الغزو) نظرا إلى المفسدة المحتملة بأن يهرب السارق ويلحق بدار الحرب. فلا بد من النظر في العواقب حتى مع القدرة.
هذا والله أعلم