قال السدي: لعلهم يحذرون أن ينكثوا فيصنع بهم مثل ذلك) ([5]).
فالشاهد أن الكافر يقتل في المعركة بصورة بشعة ترعب الأعدء ويكون قتله عبرة لهم لعلهم يذكرون ([6]).
ونحر العلوج يقوم بهذا الدور على أكمل وجه.
3) قال تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة:5].
ولا شك بأن نحر الكافر المحارب داخل في عموم القتل، ومن فعل ذلك فقد امتثل لأمر الله.
4) قال تعالى: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم} [الأنفال:67].
قال الشيخ السعدي رحمه الله:
(هذه الآية معاتبة من الله لرسوله والمؤمنين يوم بدر إذ اسروا المشركين وأبقوهم لأجل الفداء، فلا ينبغي ولا يليق به
صلى الله عليه وسلم إذا قاتل الكفار الذين يريدون أن يطفئوا نور الله وسعوا لإخماد دين الله وأن لا يبقى على وجه
الأرض من يعبد الله أن يتسرع إلى أسرهم وإبقاءهم لأجل الفداء، الذي يحصل منهم وهو عرض قليل بالنسبة للمصلحة
المقتضية لإبادتهم، وإبطال شرهم، فما دام لهم شر وصوله، فالأوفق أن لا يؤسروا، فإذا اثخن في الأرض وبطل شر
المشركين واضمحل أمرهم فحينئذ لا بأس بأخذ الأسرى منهم وإبقائهم) ([7]).
5) قال تعالى: {ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه} [آل عمران:152].
نقل الطبري عن أبى جعفر: (قوله {تحسونهم}يعني حين تقتلونهم يقال منه: حسه يحسبه حساً إذا قتله) ([8]).
6) قال تعالى: {قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو
بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصين} [سورة التوبة:52].
قال ابن كثير في قوله تعالى {أو بأيدينا}أي القتل أو السبي)، وكذا قال الطبري ([9])،
فنحن ننتظر بهؤلاء الكفار أن يعذبهم الله بأيدينا قبل عذاب الآخرة والنحر يدخل في ذلك.
الأدلة من السنة على مشروعية نحر أعداء الملة
فقد ثبت مشروعية نحر الأسير في السنة من قوله صلى الله عليه وسلم وفعله وتقريره.
أما قوله صلى الله عليه وسلم:
فقد روى ابن الأثير وابن إسحاق وغيرهم من أصحاب السير عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال:حضرت قريش يوماً
بالحجر فذكروا النبي صلى الله عليه وسلم وما نال منهم وصبرهم عليه فبينما هم كذلك إذ طلع النبي صلى الله عليه
وسلم ومشى حتى استلم الركن ثم مر بهم طائفاً فغمزوه ببعض القول، فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى فلما مر بهم
الثانية غمزوه مثلها ثم الثالثة فقال لهم: (اتسمعون يا معشر قريش، والذي نفس محمد بيده جئتكم بالذبح) ([10]).
وأما إقراره صلى الله عليه وسلم:
فقد روى الطبراني بإسناد رجاله ثقات عن فيروز الديملى رضي الله عنه قال:
(أتيت النبي صلى الله عليه وسلم برأس الأسود العنسي) ([11]).
وروى البيهقي من طرق أحدها جيد الإسناد، في سرية أبي حدرد أنه جاء النبي صلى الله عليه وسلم برأس رفاعة بن
قيس يحمله معه، ولم ينهه رسول الله عن ذلك ([12]).
وروي عن البراء قال: لقيت خالي معه الراية، فقلت: أين تذهب؟ فقال: (أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم
إلى رجل تزوج امرأة أبيه أن آتيه برأسه) ([13]).
وعن عبد الله الديلمي عن أبيه قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم برأس الأسود العنسي الكذاب، فقلت: يا رسول
الله قد عرفت من نحن فإلى من نصير؟ قال: (إلى الله عز وجل وإلى رسوله)، وكان أتيناه به من اليمن ليقف صلى الله
عليه وسلم على نصر الله وعلى كفايته المسلمين شأنه ([14]).
في معركة بدر:مر عبد الله بن مسعود رضى الله عنه فوجد أبو جهل في آخر رمق، فاحتز رأسه، وجاء به إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال هذا فرعون هذه الأمه)، وقضى بسيفه لابن مسعود رضى الله عنه ([15]).
وأما فعله صلى الله عليه وسلم:
فقد حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه على بني قريظة بعد أن غدروا بالمسلمين بقتل رجالهم وتقسيم أموالهم وسبي
ذراريهم ونسائهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة) - أي
سماوات - ([16]).
وفي رواية: (لقد حكمت فيهم بحكم الله يا سعد) ([17])،
وقد أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم سعد، وأشرف على قتلهم بنفسه، وأمر بحفر الأخاديد، وقد كانوا أكثر
من 600 يهودي نتن . والتسبب عند جمهور العلماء في القتل كالمباشر، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم، باشر قتلهم،
كما قال تعالى: {إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم يذبح أبنائهم ويستحي نسائهم انه
كان من المفسدين} [سورة القصص:4]،
مع أن فرعون لم يباشر القتل وإنما هو الآمر المتسبب لقتلهم، فالله حكم عليه أنه هو الذي قتلهم، فكذلك النبي صلى
الله عليه وسلم أقر حكم سعد رضي الله عنه وأشرف على قتلهم وأمر الصحابة أن يحفروا الأخاديد لدفنهم بها بعد القتل
فكأنه صلى الله عليه وسلم باشر قتلهم.
وهذه الأحاديث وإن كان في بعضها مقال ولكن بعضها يقوى بعض.
فهذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأين الممتثل!!
قال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم} [آل عمران:31].
حوادث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لنحر أعداء الملة
أورد الذهبي في "السير"؛
قال ابن الزبيرهجم علينا جرجير في عشرين ومائة ألف فأحاطوا بنا ونحن في عشرين ألفاً يعني نوبة أفريقية،
قال:واختلف الناس على ابن أبي سرح فدخل فسطاطه فرأيت غرة من جرجير بصرت به خلف عساكره على بردون أشهب
معه جاريتان تظللان عليه بريش الطواويس بينه وبين جيشه أرض بيضاء، فأتيت أميرنا ابن أبي السرح فندب لي الناس
فاخترت ثلاثين فارساً وحملت وقلت لهم؛ احموا لي ظهري، فخرقت الصف إلى جرجير وما يحسب هو وأصحابه إلا أني
رسول إليه حتى دنوت منه، فعرف الشر فثار بردونه، فأدركته، فطعنته، فسقط ، ثم احتززت رأسه فنصبته على رمحي
وكبرت وحمل المسلمون فارفض العدو ومنح الله أكتافهم) ([18]).
وقد أتى عبد الله بن الزبير برأس المختار فلم ينكر ذلك ([19]).
أن عمرو بن العاص حين حاصر الإسكندرية ظفر برجل من المسلمين فأخذوا رأسه، وجاء قومه عمراً مغضبين ، فقال لهم
عمرو: (خذوا رجلاً منهم فاقطعوا رأسه، فارموا به إليهم في المنجيق)، ففعلوا ذلك فرمى أهل الإسكندرية برأس المسلم
إلى قومه) [[20]].
وقد قام خالد القسري أمير مكة للوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك خطيباً يوم عيد الأضحى بسنة ثمان وعشرين
بعد المائة فقاليا أيها الناس ضحوا تقبل الله منا ومنكم فإني مضح، بالجعد بن درهم فإنه يقول؛ "أن الله لم يتخذإبراهيم
خليلاً ولم يكلم موسى تكليماً"، فتقبل الله منا ومنكم)، فضحى به أمام الناس. وقد خلد العلامة ابن القيم رحمه الله هذه
الحادثة وأثنى على فعلها، فقال رحمه الله:
ولأجل ذا ضحى بجعد خالد القسري يوم ذبائح القربان
إذ قال إبراهيم ليس خليله كلا ولا موسى الكليم الدان
شكر الضحية كل صاحب سنة لله درك من أخي قربان ([21])
أقوال العلماء في نقل رؤوس المشركين وما يندرج ضمنها
جاء في المغني لأبن قمة ما نصه:
(يكره نقل رؤوس المشركين من بلد الى بلد والتمثيل بقتلاهم...نص عليه أحمد وإن فعلوا ذلك لمصلحة جاز لما روينا أن
عمرو بن العاص حين حاصر الإسكندرية ظفر برجل من المسلمين فأخذوا رأسه، فجاء قومه عمرا مغضبين، فقال لهم
عمرو: "خذوا رجلا منهم فاقطعوا رأسه، فأرموا به إليهم في المنجنيق"، ففعلوا ذلك فرمى أهل الإسكندرية رأس المسلم
الى قومه) ([22]).
جاء في السير الكبير وشرحه؛
أن أبا بكر الصديق قال: (لا يحمل إلى رأس، إنما يكفي الكتاب والخبر): (فبظاهر الحديث - أي قول أبي بكر - أخذ بعض
العلماء وقال لا يحل حمل الرؤوس إلى الولاة لأنه جيفة فالسبيل دفنها لإماطة الأذى ولأن إبادة الرأس مثله، ونها رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة، ولو بالكلب العقور، واكثر مشايخنا - أي من الاحناف - رحمهم الله على أنه إذا كان
في ذلك كبت وغيظ للمشركين، أو فراغ قلب للمسلمين، بأن كان المقتول من قواد المشركين، أو عظماء المبارزين، فلا
بأس بذلك) ([23]).
وقال الشوكاني:
(قوله "ويكره حمل الرؤوس"؛ أقول: إذا كان في حملها تقوية لقلوب المسلمين أو إضعاف لشوكة الكافرين فلا مانع من
ذلك، بل هو فعل حسن وتدبير صحيح ولا وجه للتعليل بكونها نجسة، فإن ذلك ممكن بدون التلوث بها والمباشرة لها،
ولا يتوقف جواز هذا على النبي صلى الله عليه وسلم فإن تقوية جيش الإسلام وترهيب جيش الكفار مقصد من مقاصد
الشرع ومطلب من مطالبه لاشك في ذلك) ([24]).
وقال يوسف الحنفي:
(آلا ترى أن أمراء الأجناد منهم يزيد بن أبي سفيان وعقبة بن عامر لم ينكروا ذلك -أي نقل الرؤوس - لما فيه من إعزاز دين الله وغلبة أهله الكفار).
فتأمل أقوال العلماء واعلم انها في "نقل" رأس الكافر، فهل ينقل رأس الكافر دون قطعه؟!
فهذا دليل واضح على مشروعية نحر الكفار وعدم إنكار العلماء يؤكد ذلك لأنه لو كان منكرا لوجب عليهم الإنكار فلا
يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وانما كان كلامهم في نقل الرأس من عدمه، وحتى النقل يندب عند بعض أهل العلم
كما سبق.
[1]) تفسير القرطبي
[2]) المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير وانظر تيسير الكريم الرحمن للشيخ السعدي729.
[3]) ايسر التفاسير ج5 /72
[4]) انظر بدائع الصنائع ج7 /119
[5]) تفسير ابن كثير
[6]) المصباح المنير في تهذيب تفسير ابن كثير بتصرف545.
[7]) تفسير السعدي.
[8]) تفسير الطبري ج3 /470
[9]) تفسير الطبري ج6 /389 وتفسير ابن كثير 2/376
[10]) انظر الرحيق المختوم 88، وهذا الحبيب 121.
[11]) مشارع الاشواق ج2 /159.
[12]) معتصر المختصر ج1 /244، 254.
[13]) نفس المصدر السابق.
[14]) معتصر المختصر ج1 /244، 245.
[15]) توضيح الاحكام ج1/383.
[16]) هذا الحبيب يامحب 318.
[17]) نور اليقين 199 وقد رواه البخاري (4121)، مسلم (1768، 1769).
[18]) أورده الذهبي /371 باختصار.
[19]) أنظر معتصر المختصر 1/288- 245 وانظر هداية الحيارى للعييري رحمه الله 15.
[20]) المغني لأبن قدامة 10 /565، 566.
[21]) انظر توضيح المقاصد وتصحيح القواعد في شرح قصيدة الامام ابن قيم ج1/50، 55.
[22]) المغني لابن قدامة 10/565، 566 ونظر الشرح الكبير للمقدسي 10/459، 460.
[23]) الشرح الكبير 1/110.
[24]) السيل الجرار 4/568.
http://shink.de/i5n3uk إسعاد الأخيار في إحياء سنة نحر الكفار