الفصل الثالث عشر
في زيارة قبر إبراهيم الخليل عليه السلام
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لما أسري بي إلى بيت المقدس مر بي جبريل عليه السلام إلى قبر الخليل عليه أفضل الصلاة والسلام فقال: أنزل صلى ها هنا ركعتين فإن هاهنا قبر أبيك إبراهيم عليه السلام. وفي حديث آخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن إبراهيم ولد بالعراق في موضع يقال له كوتا فهجره قومه وأخرجوه منها ثم سار إلى فلسطين والأردن فهم أن يدعو عليهم فأوحى الله تعالى إليه لا تدعو على العراق فأنى جعلت شيئا من رحمتي فيهم واسكنت الرحمة في قلوبهم).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أول من مات ودفن في حبري سارة فدفنها إبراهيم.
وفي الحديث أن إبراهيم عليه السلام طلب من ملك ذلك الموضع أن يبيعه موضعا يدفن فيه من مات من أهله فقال له: قد ابحتك ادفن حين شئت فأبى إلا بالثمن وكان قد طلب منه المغارة، فقال: يعطي لك بأربعمائة درهم في كل درهم خمسة دراهم كل مائة ضرب ملك وأراد أن يشدد عليه لكيلا يجد فيرجع إلى قوله فخرج من عنده فجاءه جبريل عليه السلام بذلك الذي طلبه الملك فدفعه له وحمل بسارة إلى المغارة فدفنت فيها ثم توفي إبراهيم عليه السلام فدفن بجوار زوجته ثم توفي إسحاق فدفن فيها بجوار زوجته ثم توفي يعقوب فدفن فيها عند باب المغارة، ثم توفيت ربعة فدفنت بحذاء يعقوب فاجتمع أولاده وأخوته وقالوا: ندع باب المغارة وسدوا باب المغارة ووضع عليها حائط وعملوا فيه علامات القبور، وكتبوا عليه هذا قبر أبراهيم، هذا قبر سارة، هذا قبر إسحاق، هذا قبر ربعة، هذا قبر يعقوب، هذا قبر زوجته لبقاء وخرجوا عنه وطبقوا بابها فكان كل من جاز به يطوف، ولا يصل إليه حتى جاءت الروم بعد ذلك ففتحوا له بابا ودخلوا إليه وبنوا فيه كنيسة.
وفي بعض الكتب أن إبراهيم عليه السلام لما نجاه الله تعالى عز وجل من النار خرج من أرض بابل إلى الأرض المقدسة، ورهط من قومه حتى ورد وأخران فاقموا بها زمانا ثم خرجوا إلى الأردن ودفعوا إلى مدينة بعلبك، وكان بها ملك كافر وقيل هو الذي عرض له في سارة رضي الله تعالى عنها في قوله ومنعها الله تعالى سنة بقدرته قال: وخرج ذلك الملك من تلك المدينة وأورثها الله تعالى إبراهيم عليه السلام فأنزل بها وأنمى الله تعالى له ماله فقاسم لوطا فأعطاه نصفها ومات إبراهيم عليه السلام فدفن في حبري قرية الجبار وفيها دفنت سارة وهي مزرعة كان اشتراها إبراهيم.
وعن عبد الله بن مسلم قال: عاش إسحاق عليه السلام مائة وثمانون سنة، ولما مات قبر في المزرعة التي اشتراها إبراهيم عليه السلام.
وعن عباس رضي الله عنه قال: لما أراد الله تعالى أن يقبض زوج إبراهيم عليه السلام أومى الله إلى الدنيا أنى دافن فيك خليلي فاضطربت الدنيا اضطرابا شديدا وتشامخت جبالها وتواضعت منها قرية يقال لها حبري فقال الله تعالى عز وجل: يا حبري أنت قدسي أنت خزانة علمي وعليكى رحمتي وبركاتي، وإليك أحشر خيار عبادي فطوبى لمن وضع جبهته فيك لي ساجداً اسقيه من حضرة قدسي وآمنه من الفزع الأكبر يوم القيامة وأسكنه الجنة برحمتي معلو بالك ثم طوبى لك ادفن فيكى خليلي.
وعن كعب أن سليمان بن داود عليهما السلام لما فرغ من بناء بيت المقدس أوحى الله تعالى إليه أن ابني على قبر خليلي ليعرف به مخرج سليمان فبني في موضع يسمى الرامة فأوحى الله تعالى إليه ليس هو هذا ولكن انظر إلى النور المتدلي من السماء إلى الأرض فينظر فإذا النور على بقعة يقال لها حبري فعلم أن ذلك المقصود فبنى عليه.
وعن وهب بن منبة قال: إذا كان آخر الزمان جبل بين الناس بين الحج فمن لم يصل إلى الحج فعليه بقبر إبراهيم عليه الصلاة والسلام وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام فإن زيارته تعدل حجة.
وعنه أيضا أنه قال: من زار قبر أبراهيم عليه السلام لا يعنيه إلا ذلك يحشر يوم القيامة أمن من الفزع الأكبر،ووقار فتأتي القبر وكان حقا على الله تعالى أن يجمع بينه وبين إبراهيم عليه السلام.
وعن كعب: من زار بيت المقدس وأبراهيم عليه السلام وصلى فيه خمس ركعات ثم سأل الله تعالى شيئا إلا أعطاه. وأيضا: من زار إبراهيم وإسحاق ويعقوب وسارة وربعة ولبقة أعطى بتلك الزيارة الكرامة الدائمة والرزق الدائم الواسع في دنياه ويبلغه الله عز وجل منازل الأبرار ولا يرجع إلى منزله إلا وقد غفرت له ذنوبه ولا يخرج من الدنيا حتى يرى الخليل ويبشره أن الله قد غفر له.
روي عن عبد الله بن سلام قال: أن الزيارة إلى قبر الخليل عليه السلام عنده حج الفقر أو درجات الأنبياء فيستجب لمن أراد الزيارة أن يخلص النية، ويسأل الله تعالى التوفيق والمعونة، ويصلى ركعتين ولا سوء أدبه في زيارته، فإن الأنبياء أحياء في قبورهم ثم يقصد المكان بوقار وسكينة وذكر واستغفار، ثم يدخل المسجد ويبدأ بإدخال رجله اليمني ويقول بسم الله الرحمن الرحيم أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم، اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، وفي كل مسجد يقول هذا ويصلي ركعتين تحية المسجد، ثم يدخل إلى قبر الخليل يستقبله من أي نواحيه شاء، ثم يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم هذا وهو واقف، وذكر أن يضع يده على القبر وأن يعاتقه ويقف ويسلم كما يسلم على الحي بوقار وسكينة كان يشاهده صلى الله عليه وسلم ويستحب أن يكثر الدعاء عنده ويتوسل فما توسل به أحداً إلا إجابة الله تعالى، فإذا فرغ من ذلك يمضي إلى قبر سيدنا يعقوب ويفعل كما فعل، فإذا فرغ من ذلك يمضي إلى قبر ستني سارة وإلى ربعة، وكذلك عذر ليفة يبدأ بزيارة الرجال قبل النساء ثم يمضي إلى قبر سيدنا يوسف الصديق سلام الله عليه، وهو خارج المغارة في بطن الوادي ويفعل كما فعل.
روي عن أبي بكر بن أحمد بن عمر بن جابر قال وقد سأل عن قبر الخليل عليه السلام فقال: ما رأيت أحداً من الشيوخ الذي لحقتهم إلا ويصححوا قبره وقبر أولاده وازواجهم صلوات الله عليهم أجمعين ودعا النبي صلى الله عليه وسلم مع حبري بأمرها لتميم الداري قبل أن يفتحه الله عز وجل على المسلمين الشام، وجاء إلى أبي بكر رضي الله عنه فأجاز له ذلك، وجاء إلى عمر فأجاز له بعد الفتوح، ثم روى أبي هند الداري قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم سريتين تميم بن أوس وأخيه نعيم ويزيد بن أبي قيس وأبي عبد الله بن عبد الله وأخيه الطيب فسماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن وفاكهة ابن النعمان فأسلمنا، وسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطعنا أرضا من أرض الشام فقال: سلوا ما شئتم. قال أبو هند فقلنا: إلى موضع يتشاور فيه تميم: أرى أن تسلوا ببيت المقدس. قال تميم: نعم. قال أبو هند: فكذلك يكون ملك العرب فقال: أخاف أن لا يتم لنا هذا. فقال: نسأله حبري وكورتها فقال أبو هند: هل أكبر وأكثر. فقال تميم: أين ترى، قال: نسأله العربي التي يضع حضرنا فيها مع ما فيها من آثار أبو الأنبياء إبراهيم الخليل عليه السلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
تحب أن تخبرني بما أنتم فيه وأخبركم) قال: تخبرني أنت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيزداد إيمانا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أردت يا تميم أمراً وأراد أبو هند غيره ونعم الرأي رأي أبو هند) قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطعة من جلد من أديم فكتب لنا كتابا نسخته بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما ذهب محمد رسول الله إذا أعطاه الله الأرض لهم بيت عيون وحبرون والمرطون وبيت إبراهيم فيهم أبدا، شهد بذلك عباس بن عبد المطلب وجهنم ابن قيس. وشرحبيل حسنه قال: لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قدمناه عليه فسألناه أن يجدد لنا كتابا آخر فكتب لنا كتاب نسخته: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما انظر محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم تميم الداري وأصحابه أني أنطيتكم بيت عيون وحبرون وبيت إبراهيم بذمتهم جميع ما فيهم نطية بت وتغارت: وسلمت ذلك لهم ولا عقابهم من بعدهم شهد بذلك أبو بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم أجمعين.
فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء أبو بكر بعده وجند الجنود إلى الشام، كتب كتاب نسخته من أبي بكر الصديق إلي عبيدة بن الجراح: سلام الله عليك فأني أحمد الله الذي لا إله هو وصلى الله على سيدنا محمد، أما بعد فامنع من كان يؤمن بالله واليوم الآخر من الكلام في قرى الداريين، وإن كان أهلها قد جلوا عنها وأرادوا الربوان أن يزرعوها فليزرعوا، فإذا رجع إليها أهلها فهي لهم وأحق والسلام عليك.
آخر الكتاب والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد صلى وعلى آله وأصحابه، وكان الفراغ منه يوم الأربعاء عاشر المحرم الحرام المبارك من شهور سنة خمسة وثمانين وثمانمائة من الهجرة النبوية على مشرفها أفضل الصلاة وأتم السلام بالقاهرة المحروسة حرسها الله تعالى آمين.