جاء عن الإمام الشــوكاني في الاســتعانة بالمشـــركين
كتاب نيل الأوطار ، الجزء الثامن. كتاب الجهاد والسير. باب ما جاء في الأستعانة بالمشركين.
1 - عن عائشة قالت "خرج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان تذكر منه جرأة ونجدة ففرح به أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حين رأوه فلما أدركه قال جئت لأتبعك فأصيب معك فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم تؤمن باللّه ورسوله قال لا قال فأرجع فلن استعين بمشرك قالت ثم مضى حتى إذا كان بالشجرة أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرة فقال له النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كما قال أول مرة فقال لا قال فأرجع فلن استعين بمشرك قال فرجع فأدركه البيداء فقال له كما قال أول مرة تؤمن باللّه ورسوله قال نعم فقال له فأنطلق".
رواه أحمد ومسلم.
2 - وعن خبيب بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده قال "أتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وهو يريد غزوا أنا ورجل من قومي ولم نسلم فقلنا أنا نستحي ان يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم فقال أسلمتما فقلنا لا فقال إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين فأسلمنا وشهدنا معه".
رواه أحمد.
3 - وعن أنس قال "قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا تستضيئوا بنار المشركين ولا تنقشوا على خواتيمكم عربيا".
رواه أحمد والنسائي.
4 - وعن ذي مخبر قال "سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول ستصالحون الروم صلحا وتغزون أنتم وهم عدوا من ورائكم".
رواه أحمد وأبو داود.
5 - وعن الزهري "أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم استعان بناس من اليهود في خيبر في حربه فأسهم لهم".
رواه أبو داود في مراسيله.
حديث خبيب بن عبد الرحمن أخرجه الشافعي والبيهقي وأورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه وقال في مجمع الزوائد أخرجه أحمد والطبراني ورجالهما ثقات. وحديث أنس في إسناده عند النسائي أزهر بن راشد وهو ضعيف وبقية رجال إسناده ثقات. وحديث ذي مخبر أخرجه أيضا ابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناد أبي داود رجال الصحيح. وحديث الترمذي أخرجه أيضا الترمذي مرسلا والزهري مراسيله ضعيفة. ورواه الشافعي فقال أخبرنا يوسف حدثنا حسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال استعان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فذكر مثله وقال ولم يسهم لهم.
قال البيهقي لم أجده إلا من طريق الحسن بن عمارة وهو ضعيف والصحيح ما أخبرنا الحافظ أبو عبد اللّه فساق بسنده إلى أبي حميد الساعدي قال "خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم حتى إذا خلف ثنية الوداع إذا كتيبة قال من هؤلاء قالوا بنو قينقاع رهط عبد اللّه بن سلام قال أو تسلموا قالوا فأمرهم أن يرجعوا وقال إنا لا نستعين بالمشركين فأسلموا. وحديث عائشة فيه دليل على أنها لا تجوز الاستعانة بالكافر وكذلك حديث خبيب بن عبد الرحمن ويعارضهما في الظاهر حديث ذي مخبر وحديث الزهري المذكور أن وقد جمع بأوجه منها ما ذكره البيهقي عن نص الشافعي أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم تفرس الرغبة في الذين ردهم فردهم رجاء أن يسلموا فصدق اللّه ظنه.
وفيه نظر لأن قوله لا أستعين بمشرك نكرة في سياق النفي تفيد العموم. ومنها أن الأمر في ذلك إلى رأي الإمام وفيه النظر المذكور بعينه. ومنها أن الاستعانة كانت ممنوعة ثم رخص فيها قال الحافظ في التلخيص وهذا أقربها وعليه نص الشافعي وإلى عدم جواز الاستعانة بالمشركين ذهب جماعة من العلماء وهو مروي عن الشافعي وحكى في البحر عن العترة وأبي حنيفة وأصحابه أنها تجوز الاستعانة بالكفار والفساق حيث يستقيمون على أوامره ونواهيه واستدلوا باستعانته صلى اللّه عليه وآله وسلم بناس من اليهود كما تقدم وباستعانة صلى اللّه عليه وآله وسلم بصفوان بن أمية يوم حنين وبإخباره صلى اللّه عليه وآله وسلم بأنها ستقع من المسلمين مصالحة الروم ويغزون جميعا عدوا من وراء المسلمين.
قال في البحر وتجوز الاستعانة بالمنافق اجماعا لاستعانته صلى اللّه عليه وآله وسلم بابن أبي وأصحابه وتجوز الاستعانة بالفساق على الكفار لإجماعا وعلى البغاة عندنا لاستعانة علي عليه السلام بالأشعث انتهى.
وقد روي عن الشافعي المنع من الأستعانة بالكفار على المسلمين لأن في ذلك جعل سبيل الكافر على المسلم وقد قال تعالى {ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا} وأجيب بأن السبيل هو اليد وهي للإمام الذي استعان بالكافر وشرط بعض العلم ومنهم الهادوية أنها لا بجوز الأستعانة بالكفار والفساق إلا حيث مع الإمام جماعة من المسلمين يستقل بهم في امضاء الأحكام الشرعية على الذين استعان بهم ليكونوا مغلوبين لا غالبين كما كان عبد اللّه بن أبي ومن معه من المنافقين يخرجون مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم للقتال وهم كذلك ومما يدل على جواز الأستعانة بالمشركين أن قزمان خرج مع أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يوم أحد وهو مشرك فقتل ثلاثة من بني عبد الدار حملة لواء المشركين حتى قال صلى اللّه عليه وآله وسلم وآله وسلم أن اللّه ليأزر هذا الدين بالرجل الفاجر كما ثبت ذلك عند أهل السير وخرجت خزاعة مع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم على قريش عام الفتح (والحاصل) أن الظاهر من الأدلة عدم جواز الأستعانة بمن كان مشركا مطلقا لما في قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم إنا لا نستعين بالمشركين من العموم.
وكذلك قوله أنا لا أستعين بمشرك ولا يصلح مرسل الزهري لمعارضة ذلك لما تقدم من أن مراسيل الزهري ضعيفة والمسند فيه الحسن بن عمارة وهو ضعيف ويؤيد هذا قوله تعالى {ولن يجعل اللّه للكافرين على المؤمنين سبيلا} وقد أخرج الشيخان عن البراء قال "جاء رجل مقنع بالحديد فقال يا رسول اللّه أقاتل أو أسلم قال أسلم ثم قاتل فأسلم ثم قاتل فقتل فقال صلى اللّه عليه وآله وسلم عمل قليلا وأجر كثيرا" وأما استعانته صلى اللّه عليه وآله وسلم بابن أبي فليس إلا لإظهار الإسلام وأما مقاتلة قزمان مع المسلمين فلم يثبت أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم أذن له بذلك في ابتداء الأمر وغاية ما فيه أنه يجوز للإمام السكوت عن كافر قاتل مع المسلمين.
قوله: "بحرة الوبرة" الحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء والوبرة بفتح الواو والباء الموحدة بعدها راء بسكون الموحدة أيضا موضع على أربعة أميال من المدينة.
قوله: "بالشجرة" اسم موضع وكذلك البيداء.
قوله: "ولا تنقشوا على خواتيمكم عربيا" بفتح العين المهملة والراء وبعدها موحدة.
قال في القاموس في مادة عرب ولا تنقشوا على خاتيمكم عربيا أي لا تنقشوا محمد رسول اللّه كأنه قال نبيا عربيا يعني نفسه صلى اللّه عليه وآله وسلم انتهى نهي صلى اللّه عليه وآله وسلم ان ينقشوا على خواتيمهم مثل ما كان ينقش على حاتمه وهو محمد رسول اللّه لأنه كان علامة له في ذلك الوقت يختم به كتبه